آراء ومقالات

الدكتور على الشايب أبودقن المحامى وأستاذ القانون الدولي العام يكتب :مع الدكتور كامل إدريس وجهاً لوجه

أفريكانيوز24

كنت أتجاذب أطراف الحديث من خلال اتصال هاتفي مع احد أصدقاء الصبا حين كنا فى ريعان الشباب سعيد آدم محمد الذى ما زال فى الخرطوم طوال فترة الحرب بكل مآسيها ، سألته تعرف دكتور كامل إدريس ؟ رد مستغرباً ( اعرفه من وين؟) ضحكت وقلت له بتعرفه وأردفت ، تتذكر عندما كنا نعمل فنيين بمصنع الوصيد للألمنيوم عندما صنعنا أبواب وشبابيك لتلك الفيلا الجميلة فى نهاية شارع الرياض مع تقاطع الستين وكنا نكتب على كل باب وشباك بالقلم الشينى د . كامل إدريس؟ هل نسيت صاحب هذه الفيلا حين اخبرونا بأنه مستشار بالامم المتحدة ؟ إستحضر صديقى تلك الذكريات ورفاقنا من فنييى مصنع الوصيد الذين كانوا معنا الريح ادم محمد ومحمد ادم الادريسى وغيرهم وكان ذلك بداية التسعينات أو أواخر الثمانينات وكنت حينها طالبا بالثانوي وتعجب صديقى كيف لى أن أتذكر هذه التفاصيل الدقيقة وذلك الرجل الانيق الذى كان فى الأربعينات من عمره وكان امراً مثير لإعجابنا فى تلك الفترة أن يبنى هذا الشاب قصراً بهذه الفخامة ويتعاقد مع مصنع الوصيد لشراء هذه السلعة التى كانت حكراً الأثرياء ، من خلال هذه المهنة كنا نعيش فى ترف وبحبوبة من العيش حيث كنا لا نتجاوز خمسين فنى لهذه الصنعة التى علمنا إياها باكستانيين وكويتيين بمصنع كودال للألمنيوم لصاحبه رجل الأعمال والمولع بالخيل.

والفروسية مامون احمد مكى عبده الذى كان والده مديراً لمديرية الخرطوم فى الخمسينات ومالك مصنع حبر مكى وشقيق العميد أمن م فؤاد أحمد مكى عبده وقريب د الوليد مادبو إبن وزير الدفاع الذى يملاء الدنيا ضجيجاً عن التهميش ودولة ٥٦ وهلمجرا ، قال صديقى (والله الدنيا دوارة ، بقى رئيس عدييل ؟) .

إنها الدنيا الدوارة كما قال صديقى حيث لا تدرى نفس ماذا تكسب غدا ، هكذا أقدار الأمم والشعوب فى تجلياتها وتقلباتها ما بين الديمومة والاستقرار والفناء والكوارث ، ما بين نهضتها وضعفها، عوامل استقرارها وقوتها وفنائها ، كل تلك المفاهيم رهينة ومتسقة مع المقولة السودانية (الدنيا دوارة) فهى تتداخل وتتقاطع لخلق هذا الدوران ، كثيرا من الماثورات والأمثال التى يتداولها العوام نجدها مستمدة من ديننا الحنيف ، يقول المولى عزوجل فى الآية ١٤٠ من سورة آل عمران (وتلك الأيام نداولها بين الناس ) .

الدكتور كامل إدريس الذى أدى القسم رئيساً للوزراء جاء فى مرحلة مفصلية من تاريخ هذه الأمة ونتاج لدورة الحياة وفى إطار القدرية التى اقرها المولى عزوجل منذ الأزل من حيث الأيام التى تتداول بين الناس وذلك لا ينفصل عن قولنا العامى الشائع ( الدنيا دوارة) إنما متسقة ومتصلة به .

ان يستكتب الكثيرون ويصبون مداد اقلامهم مدحاً أو ذماً أو نصحاً عن الدكتور كامل إدريس وضع طبيعى ، فلا عيب ولا تثريب عليهم طالما أصبح الرجل صاحب العلم الغزير والسمعة الدولية رجل الحكومة الأول ، إن العلم والخبرة الطويلة الثرة لا يمنعان المرء من الإستماع لأراء الآخرين وقد قيل قديماً (خذوا الحكمة من أفواه المجانين ) ما بال دون ذلك ؟

نحن فى مرحلة بناء الأمة السودانية وإنشاء وتأسيس الهوية الوطنية السودانية والتى لن يتآتى ذلك إلا من خلال الهيكلة التى تعتمد على سلطات الدولة وسلطانه .

إن بناء الأمة السودانية الهدف منها توحيد الشعب بغية بقاء الدولة السودانية مستقرة سياسياً وقابلة للبقاء على المدى الطويل من خلال إزاحة أو تقليل عوامل الضعف والفناء وإعلاء كوامن القوة والبقاء ، إن الدولة السودانية المعاصرة التى ننشدها من خلال هذا الدمار الذى تسبب فيه الدعم السريع المتمرد وداعميه المحليين والاقليميين والدوليين لا بد أن تكون ركيزتها الأساسية هو إتصالها بالشعب من خلال التعبير عن تطلعاته وقيمه وإن سلطة الدولة مرآة تعكس التنوع وسند هذه المرآة العلم .

إن بناء الدولة السودانية المعاصرة تحتاح إلى دور العلم لتبنى نهضتها من خلال تعزيز هذا الترابط المصيرى الذى وحد الشعب فى مواجهة الغزو الإستئصالى والإستبدالى والإحلالى بقومٍ غريبى الوجه واليد واللسان ، العلم هو أساس بناء الأمم ونهضتها وتقدمها ورفعتها ، كل بلد لا يعتمد العلم لا شك سيكون بلد فاشل ، مهزوم ، متخلف، يستشرى الجهل والفساد بين جنبيه . نحن نحتاج إلى علم يساهم فى التقدم الحضارى وإعلاء القيم ويعمل على تعزيز الوعى المجتمعى ويقوى قدرة المجتمع على محاربة عوامل التشرزم والتفرق ، إن وجد فهو يحتاج لأهل علم وأصحاب فكرة ، دربة ، دراية لتطبيقه فى أرض الواقع ، دولة دون ذلك لا شك إلى زوال .

والله من وراء القصد وهو يهدى السبيل.

تحياتي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى