آراء ومقالات

طه داؤود يكتب :لا مفر من العودة للمربع الأول

أفريكابرس24

التصعيد المؤيدة لمواصلة الحرب داخل المعسكرين، ما زالت تصدر من وقت لآخر لإلهاب الحماس ولحشد المزيد من الشباب إلى هذه المهلكة التي تسببت حتى الآن بمقتل نحو ١٥٠ ألف وتشريد ما يزيد عن ١٢ مليون شخص حسب تقارير الأمم المتحدة.

فهذا ناظر عموم الرزيقات يقف في سرادق عزاء لأحد ضحايا هذه الحرب وبدلاً من الاتعاظ بالمآل القاتم لأغلب المشاركين في هذه الحرب، ينادي الناظر الثمانيني بالزحف نحو الخرطوم (لاستلام شجرة الحكم)، وقال أنهم سيحررون البلد ويضعون يدهم على الخرطوم. وقد تناسى هذا الناظر أن الخرطوم كانت تحت يد قواته لما يقرب من عامين قبل خروجهم منها بسيارات وشاحنات المواطنين المنهوبة وعليها آلاف الاطنان من المسروقات! نعم، خرجت قوات الدعم السريع (أو عرّدت)، حسب تعبير حليفهم السابق ابراهيم بقال، هربت تلك القوات من الخرطوم، الى غير رجعة، يتبعها العار ولعنات الضحايا.

وفي المعسكر المقابل، وبنفس لغة الناظر التحريضية، انتشرت مقاطع لأحد الولاة وقد ارتدى زياً عسكرياً، وهو يتوعد الدعم السريع بالويل والثبور مع الإساءة لرئيس الحكومة السابق الدكتور حمدوك وشتمه على الملأ، مع أن الجميع يعلم أن حكومة الدكتور حمدوك لا علاقة لها بهذه الحرب. حكومة حمدوك التي ظلّت مستسلمة ومنقادة للمجلس الانتقالي برئاسة البرهان وحميدتي، كانت في حقيقتها عبئاً على الثورة والثوار، ومع ذلك يستمر دعاة الحرب (والبلابسة) في صب جام غضبهم على الدكتور حمدوك وعلى قوى الحرية والتغيير التي لم تطلق رصاصة واحدة على الجيش وحلفائه.

وفي نفس سياق إلهاب حماس العامة، تُقرأ التصريحات النارية الأخيرة للفريق ياسر العطا، بأن الجيش مستعد لمقاتلة الدعم السريع إلى يوم القيامة! .

الفريق عبدالفتاح البرهان نفسه استخدم هذه الازدواجية في خطابه لكسب العامة في الداخل ولإرضاء الخارج في نفس الوقت، ومن ذلك تصريحه الأخير بأن الجيش عازم على استعادة كل الأراضي التي سيطرت عليها «قوات الدعم السريع» في كردفان ودارفور وأن السودان يرفض أي تدخل خارجي! .

وعلى النقيض من ذلك، عبّر البرهان عن امتنانه لمساعي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لتحقيق السلام في السودان وقال «السودانيين الذين اكتووا بنيران هذه الحرب ينظرون بعين الرضا والتقدير لجهود ولي العهد السعودي. وأن هذه المبادرة فرصة لتجنيب بلادنا الدمار والتمزق. نحن نعول على هذه المبادرة ونعتبرها صوت الحق وصوت المنطقة باعتبار أن أمن البحر الأحمر يهم الجميع».

وفي المعسكر المقابل يمارس قائد الدعم السريع نفس الازدواجية والوعود العرقوبية. فهو يعلن في خطاب موجّه للشعب السوداني عن موافقة قوات الدعم السريع على هدنة إنسانية لمدة ثلاثة أشهر، ولكنه سرعان ما ينكث العهد ويخرق هدنته المزعومة بالهجوم على الحامية العسكرية في بابنوسة.

في تصوري، أن هذه الخطب الحماسية ما هي إلا للاستهلاك الداخلي ومجاراة أحلام وأمنيات وربما أوهام البعض في هذا الفسطاط أو ذاك.

من الواضح أن التحرك الدولي، وبالأخص الإعلان السعودي بحل الأزمة السودانية، أجبر الطرفين على إرسال رسائل إيجابية في اتجاه الجلوس للتفاوض والحوار بدلاً من حملة “الإفناء” التي أعلنها كل طرف دون إنجاز يُذكر إلا في إفناء المدنيين وممتلكات المدنيين.

مع هذه التطورات والمبادرات يزداد يقين المواطنين بأن الهدنة قادمة، ومعها سيتم تسهيل دخول قوافل الاغاثة وفتح المعابر والمطارات، وقبل كل ذلك، حقن الدماء وانقاذ الأرواح.

السلام قادم والأطراف المتحاربة ستجد نفسها ملزمة على العودة للمربع الأول، مربع الحكم المدني.

لا خيار آخر أمام الجيش والدعم السريع غير خيار التفاوض والحوار لإعادة السلطة إلى المدنيين.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى