
بالإشارة إلى التصريحات الأخيرة لياسر العطا، مساعد القائد العام للجيش، ردا على جهود اللجنة الرباعية لوقف الحرب بأن للجيش رباعية مختلفة شعارها: الحرب (بل بس) مضيفاً: «هذه هي رباعيتنا»، وكرر مقولة «بل بس» أكثر من مرة في مناسبة عسكرية بمنطقة الشجرةبالخرطوم (10/11/2025م) وهذه التصريحات التي لا تسمن ولا تغني من جوع، أيدها رئيس حركة تحرير السودان مني أركو مناوي عندما أطلق على العطا لقب (زعيم البلابسة) في إشارة إلى خيار استمرار الحرب، وسبق للعطا أن صرح بأن الجيش مستعد للحرب لمدة مائة عام، وبعيداً عن هذه الخطابات الحماسية، نلاحظ بروز موقف واقعي وعقلاني بصورة نسبية لدى حركة العدل والمساواة عندما صرح محمد زكريا، الناطق باسم الحركة، أن لدى الحكومة السودانية ملاحظات على هيكل «الرباعية الدولية» التي تضم أميركا والسعودية والإمارات ومصر.. وفيه تأكيد لما أعلنه وزير الدفاع، حسن كبرون في الآونة الأخيرة بأن مقترح الهدنة لا يجد القبول من الحكومة السودانية لأسباب عديدة، من بينها المساواة بين الجيش و(قوات الدعم السريع)، ومحاولة إعادة إنتاج الأخيرة في المشهد السياسي، بالإضافة إلى عدم وضوح آليات وقف إطلاق النار».
تصريحات وزير الدفاع مقرونة بتصريحات مسؤول العدل والمساواة تنبي بوجود أكثر من مسار وأكثر من تيار داخل معسكر البرهان في كيفية التعاطي مع الحرب الحالية وافرازاتها.
اعتقد أن الوقت ما يزال متاحاً للبرهان لإتخاذ قرارات شجاعة ينتظرها الشعب،، قرارات تستند إلى العقل لا إلى العاطفة، قرارات تنظر إلى ما يدور في الأرض من معارك وما يحدث من انسحابات وإخلاء للحاميات بدلاً من الركون إلى الأمنيات وأحلام اليقظة، قرارات تعطي الأولوية للسلام الذي يضمن عودة اللاجئين والنازحين وذهاب العسكر الى الثكنات.
على البرهان عدم الالتفات الى تصريحات (زعيم البلابسة) وإنما الإلتفات إلى الفرصة السانحة الآن للهدنة ووقف النار وحقن الدماء واستعادة الأمل والبسمة والطمأنينة.
على البرهان قبول مبدأ الهدنة والدخول في برنامج سلام مسنود بتأييد شعبي واقليمي ودولي بدلاً من الركض وراء السراب.
ثم إن مبدأ الصلح مبدأ إسلامي أصيل، ولا يعني ضعفاً ولا استسلاماً، وإنما ينم عن الثقة وعن نكرات الذات وعن تقديم الاستراتيجي على التكتيكي وإنجاز الأهم قبل المهم.
من أبرز الأمثلة على موضوع الصلح وأهميته وأثره الإيجابي الكبير على الدول والمجتمعات، معاهدة صلح الحديبية التي أبرمها النبي عليه السلام مع قريش. كان لهذه المعاهدة العظيمة أبعاد عميقة ونتائج كبيرة في نشر دين الله وتثبيت دعائمه في جزيرة العرب وخارج جزيرة العرب.
وقد وردت معاهدة الصلح مفصلة في العديد من كتب الصحاح وكتب السير والتاريخ، نقتبس منها مما ورد في سيرة ابن هشام، (ثم دعا رسول الله علي بن أبي طالب فقال: “اكتب بسم الله الرحمن الرحيم” قال: فقال سهيل لا أعرف هذا ولكن أكتب باسمك اللهم، فقال رسول الله: “اكتب باسمك اللهم” فكتبها ثم قال “اكتب هذا ما صالح عليه محمد رسول الله سهيل بن عمرو” قال، فقال سهيل: لو شهدت أنك رسول الله لم أقاتلك، ولكن اكتب اسمك واسم أبيك، قال، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو اصطلحا على وضع الحرب عن الناس عشرة سنين يأمن فيهن الناس ويكف بعضهم عن بعض..الخ).
هل تستفيد الأطراف المتصارعة من هذا التراث العظيم؟
هل تضع حرب السودان اوزارها ويعود الناس من المهاجر والمنافي والملاجئ إلى حضن الوطن الدافئ؟
وهل نستطيع تحقيق أمنية الشاعر المرحوم محمد حسن حميد في قصيدته الرائعة:
نورة تحلم بوجود..
ما مشت بينو القيود..
بوطن من غير قيود..
نورة تحلم بعوالم..
زي رؤى الأطفال حوالم..
لا محاكم.. لا جرائم..
لا مظاليم.. لا مظالم..






