
الإمام الصادق المهدى نترحم عليه وهو يرقد فى عليائه ،رجل ترك إرثاً من الفكر والسياسة وخلفاً يفصل ما بينهما زُبر الحديد حتى صار ردما ،ففكر الرجل تزخر به المكتبة السودانية وسياسته مشى بركبها الركبان، أما خلفه (يستثنى منهم اللواء م عبدالرحمن ) فينطبق عليهم المثل السودانى (النار تلد الرمان)فهم رُماد حين سروا ليلا بالإمام لدويلة الشر وعادوا به محمولاً فى نعش ومن ثم حملوا رايته وسلموها للذى يدعى فضل الله برمة، الفضل منه براء وكذا البُرمة لما قدمته لسائر السودانيين من جليل الطعام والشراب حين لم تكن لحِلل البريستول ومبردات المياه وجود فى غابر ازمان السودان.
تحفظ أضابير الجمعية التأسيسية أبان عهد الديمقراطية ، أخريات أيام إنزواء شمسها سجالاً بينه وبين الشريف زين العابدين الهندى وثالثهم السياسى الجنوبى أنجلو بيدا ، تحدث الشريف عن حال القوات المسلحة فى الجنوب ونعى الديمقراطية بلسان عربى مبين فالرجل يملك ناصية البيان والتبيين والفصاحة ، قال قولته المشهورة ( لو شالها كلب ما بلقى زول يقول ليهُ جر ) ومن ثم اعقبه أنجلو بيدا الفصيح فى الإنجليزية والضعيف فى العربية ، فهى ليست لسان أمه ، كما يقول الفرنجة ( Not my mother tongue)
حيث عاب أنجلو بيدا على الشريف خطابه المحرض لوأد الديمقراطية كما يرى بيدا .
الإمام الراحل الصادق المهدى إستهل حديثه إستهلالاُ رائعاً قائلاً ومازلت أحفظه عن ظهر قلب ، حينها الذهن متقداً فى ريعان الصبا ، قال لم أسمع طوال عمرى السياسى حديثين مؤثرين كهذين الحديثين ، أحدهم جميل المظهر ولكنه قبيح المخبر ، والآخر قبيح المظهر ولكنه جميل المخبر ، يعنى بذلك أن حديث الشريف المنمق الجميل فى ظاهره ، قبيح فى مضمونه عكس حديث انجلو بيد الركيك فى مظهره ولكنه جميل فى مخبره .
تحدث بولس أو بولص فسيان عندى لأنه إسم أعجمى لى الحق أن ألعب به ، وقيل ( إسم أعجمي فألعب به) تحدث حديثاً فجاً قبيح المظهر والمخبر ،ثم تحدث الفريق أول عبدالفتاح البرهان فى حضرة قادة القوات المسلحة من رتبة اللواء وما فوق ولكن الحديث كان معنى به الداخل والخارج ، تحدث حديث جميل المظهر والمخبر ، فإحتفى به سائر السودانيين الشرفاء ولا عزاء للأوباش لاعقى أحذية الدويلة إمارة الشر ، أمارة السوء .
إن بروز القادة العظام الذين يضعون بصماتهم على جدار تاريخ الأمة ليس حدثاً عاديا ،فإن مسيرة هذا البروز أنهاراُ من العرق والمشقة والاخلاص والوفاء ورؤية للمستقبل ووطنية تجرى مجرى الدم وذكاء متقد وعزيمة لا تلين وصبر على المكاره وشجاعة تتحطم على أبوابها رايات الضعاف الذين لبسوا لبوس القوة توهماً حين إنزوى اهل القوة ومُدلهمات الخطوب،فوق ذلك دهاء ومكر سياسى حصيف وقد يستعجب البعض ويتساءل هل يتثنى للمكر والحصافة أن يجتمعا ؟ ولأن ذاك إستثناء فلا يجتمعان إلا عند القادة الرموز الإستثناء،الفريق أول عبدالفتاح البرهان قائد رمز عبر عن السودانيين الذين قالوا (سلم الله البرهان ولا سلم الله الإمارات).





